صندوق الاستثمارات العامة وPWC.. تعليق يثير التساؤلات

أصدر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، والذي يعتبر من أكبر الصناديق السيادية في العالم بقيمة تبلغ 925 مليار دولار، قراراً مفاجئاً بتعليق التعاقد مع شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" PWC في مجال الخدمات الاستشارية والإدارية.
هذا القرار، الذي تم إبلاغ المديرين التنفيذيين في الصندوق وأكثر من 100 شركة تابعة له، يسري بشكل مؤقت حتى فبراير 2026. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن هذا الحظر لا يشمل خدمات التدقيق والمراجعة المالية التي تقدمها الشركة.
غموض يحيط بالقرار
تم اتخاذ هذا القرار بعد عامين من حصول "PwC" على الموافقة لافتتاح مقر إقليمي لها في السعودية
ولم يكشف صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ قرار تعليق التعاقد مع شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) في مجال الخدمات الاستشارية والإدارية.
كما أن الرسائل التي أرسلها الصندوق إلى الشركات التابعة له لم تتضمن أي توضيحات حول دوافع هذا القرار.
ورفض ممثلو الصندوق التعليق على الموضوع، كما لم يستجب المتحدث الرسمي باسم شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" لطلبات التعليق التي وجهتها إليه وكالة "بلومبرج".
صندوق الاستثمارات العامة السعودي
صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو صندوق سيادي ضخم تأسس عام 1971، ويعد ذراعًا استثماريًا رئيسيًا للمملكة العربية السعودية، يهدف إلى تحقيق رؤية السعودية 2030 من خلال تنويع الاقتصاد وتطوير قطاعات جديدة واعدة.
يعمل الصندوق على تحقيق عوائد مالية مستدامة على المدى الطويل، ويساهم في خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز مكانة المملكة كمركز مالي عالمي.
يستثمر الصندوق في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك التكنولوجيا والطاقة المتجددة والعقارات والترفيه والخدمات المالية. ومن بين أبرز المشاريع التي يقودها الصندوق:
1- نيوم: مدينة مستقبلية ضخمة تهدف إلى أن تصبح مركزًا عالميًا للابتكار والتكنولوجيا.
2- مشروع البحر الأحمر: وجهة سياحية فاخرة مستدامة تهدف إلى الحفاظ على البيئة الطبيعية.
3- مشروع القدية: مدينة ترفيهية ورياضية وثقافية تهدف إلى توفير تجارب فريدة للزوار.
4- مشروع روشن العقارية: شركة تطوير عقاري تهدف إلى بناء مجتمعات سكنية حديثة ومستدامة.
5- مشروع الدرعية: مشروع ثقافي وتراثي يهدف إلى إحياء تاريخ المملكة العربية السعودية.
شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC)
شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) هي واحدة من أكبر شركات الخدمات المهنية في العالم، وتُعرف بأنها واحدة من "الأربع الكبار" في مجال المحاسبة والتدقيق، إلى جانب ديلويت، وإرنست آند يونغ (EY)، وكي بي إم جي (KPMG).
تاريخ التأسيس: تأسست الشركة عام 1998 نتيجة اندماج شركتي "برايس ووترهاوس" و"كوبرز آند ليبراند".
المقر الرئيسي: لندن، المملكة المتحدة.
الخدمات: تقدم الشركة مجموعة واسعة من الخدمات، بما في ذلك:
- التدقيق والتأكيد.
- الاستشارات (الإدارية، التقنية، المالية).
- الضرائب والخدمات القانونية.
- الاستشارات المتعلقة بالصفقات.
الحضور العالمي: تعمل الشركة في أكثر من 150 دولة حول العالم.
السمعة: تتمتع "برايس ووترهاوس كوبرز" بسمعة قوية في تقديم خدمات عالية الجودة للشركات الكبيرة والمؤسسات الحكومية.
التواجد في المملكة العربية السعودية: لدى الشركة تواجد قوي في المملكة العربية السعودية، حيث توظف أكثر من 2000 شخص في عدة مدن، وتدير عملياتها في المنطقة من خلال أكثر من 20 موقعاً.
تبعات القرار على أعمال "PwC" في الشرق الأوسط
لفهم طبيعة العلاقة بين صندوق الاستثمارات العامة وpwc، تجدر الإشارة إلى أن الخدمات غير التدقيقية التي تقدمها شركة "PwC" في منطقة الشرق الأوسط تلقي بظلالها على مجموعة واسعة من الأنشطة الحيوية، حيث تشمل هذه الخدمات مجالات مثل عمليات الاندماج والاستحواذ، والاستشارات الضريبية والاستراتيجية، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات الإدارية. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تعتبر واحدة من أسرع المناطق نموًا ضمن عمليات "PwC" في المملكة المتحدة، والتي تتولى مسؤولية إدارة أعمال الشركة في هذه المنطقة.
وقد حققت "PwC" في الشرق الأوسط خلال السنة المالية الأخيرة إيرادات بلغت 1.97 مليار جنيه إسترليني (2.5 مليار دولار) حتى 30 يونيو، مما يعكس نموًا ملحوظًا بنسبة 26% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
وكانت الشركة تتوقع استمرار هذا النمو القوي في المنطقة خلال عامي 2025 و2026، وفقًا لنماذجها المحاسبية. ومع ذلك، فقد أقرت الشركة بأن معدلات النمو قد لا تصل إلى المستويات التي تم تحقيقها في العام الماضي، وذلك في ظل التحديات المتزايدة التي يشهدها السوق.
بالإضافة إلى ذلك يجب الأخذ بالاعتبار عدة عوامل أخرى:
1- تأثير التباطؤ العالمي: يتزامن هذا الحظر مع تحديات أوسع تواجه قطاع الاستشارات عالمياً، حيث أبلغت الشركة، مثل منافسيها، عن تباطؤ في النمو العالمي خلال العام 2024.
2- تراجع الطلب: يعود ذلك إلى تراجع الطلب على الخدمات الاستشارية، إلى جانب انخفاض الإيرادات في عملياتها في أستراليا والصين.
3- تأثير إضافي: هذا الأمر يزيد من التحديات التي تواجهها الشركة على المستوى الدولي.
تأثير القرار على سوق الاستشارات السعودي
بعد الانفصال بين صندوق الاستثمارات العامة وPWC، يجب الوضع في الحسبان تداعيات هذا الانفصال، والتي يمكن توضيحها في عدة نقاط
1- يُعتبر سوق الشرق الأوسط، وخاصةً السعودية، من أكثر الأسواق ربحية لشركات الاستشارات العالمية الكبرى، مثل "ماكنزي" و"بوسطن كونسلتينغ غروب".
2- صندوق الاستثمارات العامة السعودي كان ولا يزال المحرك الرئيسي لنمو هذه الشركات في المنطقة، حيث أنه المحرك الرئيسي لرؤية 2030.
3- يلعب الصندوق دوراً محورياً في تحقيق رؤية 2030، من خلال تأسيسه لما يقارب 100 شركة تابعة، بما في ذلك مشاريع ضخمة مثل نيوم، والدرعية، والعُلا.
4- تعليق التعاقد مع "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) يمثل تحدياً كبيراً لسوق الاستشارات في السعودية، خاصةً وأن الصندوق يعتبر من أكبر العملاء في هذا السوق.
5- قد يؤدي هذا القرار إلى إعادة توزيع حصص السوق بين شركات الاستشارات العالمية، حيث ستسعى الشركات الأخرى إلى ملء الفراغ الذي ستتركه "PwC".
6- يأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه قطاع الاستشارات تباطؤاً عالمياً، مما يزيد من الضغوط على الشركات العاملة في هذا القطاع.
7- تواجه شركة "PwC" تحديات إضافية على المستوى الدولي، حيث أبلغت عن تراجع الطلب على خدماتها الاستشارية في عام 2024، وانخفاض الإيرادات في بعض الأسواق الرئيسية.
8- هذا القرار يثير تساؤلات حول مستقبل سوق الاستشارات في السعودية، ودور الشركات العالمية في تحقيق رؤية 2030.
9- قد يدفع القرار شركات الاستشارات الأخرى إلى مراجعة علاقاتها مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي والشركات التابعة له.
ختاما.. يبقى قرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتعليق التعاقد مع "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) في مجال الخدمات الاستشارية والإدارية حتى فبراير 2026 محاطًا بالغموض، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الخطوة المفاجئة.
ولهذا تتزايد التكهنات حول تأثير هذا القرار على سوق الاستشارات السعودي، الذي يعتبر من أكثر الأسواق ربحية في المنطقة.
يبقى السؤال الأهم: هل هذا التعليق المؤقت هو مجرد إجراء احترازي، أم أنه بداية لنهاية علاقة استراتيجية بين صندوق الاستثمارات العامة و"PwC"؟
الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد عن تداعيات هذا القرار، وتأثيره على مستقبل سوق الاستشارات في السعودية.