الملتزم في الكعبة المشرفة.. موضع لاستجابة الدعوات ونفحات الرحمة

الملتزم في الكعبة
كتب بواسطة: الشيماء يوسف | نشر في 

المُلتزم في الكعبة المشرفة هو أحد المواضع المكرمة، وهو المكان الواقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة، كما يُعدُّ من الأماكن التي يُستحب عندها الدعاء والتضرع إلى الله، حيث يُروى عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يلزمونه مبتهلين بالدعاء، وقد وردت عدة آثار تؤكد فضل الدعاء عنده، مما جعله موضع اهتمام الحجاج والمعتمرين على مر العصور.

تعريف الملتزم

الملتزم في الكعبة المشرفة هو الجزء الواقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة، وسمي بهذا الاسم لأن المسلم يلتزمه عند الدعاء، أي يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه، متضرعًا إلى الله تعالى.

حكم الدعاء عند الملتزم

لم يثبت عن النبي ﷺ حديث صحيح يخصص دعاءً معينًا عند الملتزم، لكن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يفعلونه، ولذلك ذهب كثير من العلماء إلى استحبابه.  ويمكن للمسلم أن يدعو الله فيه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، مع مراعاة الأدب في الدعاء والخشوع لله تعالى.

وقت الدعاء عند الملتزم 

يجوز الالتزام في أي وقت، سواء عند دخول الكعبة (إن تيسّر له ذلك)، أو قبل طواف الوداع، أو في أي وقت آخر، لكن ينبغي للمسلم أن لا يطيل الالتزام والدعاء حتى لا يضيّق على غيره.

الأدلة على الالتزام من آثار الصحابة

لقد وردت عن الصحابة رضي الله عنهم آثار عديدة تدل على التزامهم بالدعاء عند الملتزم في الكعبة المشرفة ، مما يعكس اجتهادهم في طلب القرب من الله في هذا الموضع المبارك، وتُستدل بهذه الآثار على مشروعية الالتزام وأهميته عند السلف الصالح، وفيما يلي بعض الأدلة المنقولة عنهم.

حديث عبد الرحمن بن صفوان

  • عند فتح مكة، رأى الصحابة يضعون خدودهم على البيت بين الباب والحجر، وكان النبي ﷺ بينهم.
  • أخرجه أبو داود (1898) وأحمد (15124).
  • في سنده يزيد بن أبي زياد، وقد ضعفه بعض المحدثين.

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

  • وصف ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي ﷺ يلتزم بين الركن والباب بوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه.
  • أخرجه أبو داود (1899) وابن ماجه (2962).
  • في سنده المثنى بن الصباح، وهو ضعيف، لكن الحديث يشهد له الحديث السابق، ولذلك صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2138).
  • قول ابن عباس رضي الله عنهما
  • "الملتزم بين الركن والباب".

أقوال العلماء في حكم الالتزام ووقته

اختلف العلماء في حكم الالتزام عند الكعبة ووقته، فبينما يرى بعضهم أنه من السُّنن المستحبة، يرى آخرون أنه مجرد اجتهاد من الصحابة والتابعين، وقد وردت في ذلك أقوال متعددة توضح مدى مشروعيته وأفضل الأوقات لأدائه، وفيما يلي أبرز آراء العلماء في هذا الموضوع.

شيخ الإسلام ابن تيمية

يستحب الالتزام، ويجوز في أي وقت، سواء عند دخول مكة أو عند الوداع. يجوز الدعاء فيه بأي دعاء، ومن الأدعية المأثورة عن ابن عباس:

  •  اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك... (ذكر الدعاء كاملاً).
  • وإن دعا عند باب الكعبة دون التزام فهو أيضًا حسن.
  • (مجموع الفتاوى، 26/142-143).

ابن عثيمين

  • الالتزام لم يثبت فيه حديث صحيح مرفوع، لكنه ورد عن الصحابة.
  • يجوز فعله عند القدوم أو المغادرة أو في أي وقت، بشرط عدم إيذاء الناس أو التضييق عليهم.
  • (الشرح الممتع، 7/402-403).

كيفية الدعاء عند الملتزم

ليس هناك وضعية محددة أو دعاء معين يجب الالتزام به عند الملتزم، بل يمكن للمسلم أن يدعو الله بما تيسر له من الأدعية. ومع ذلك، يستحب أن يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه على الملتزم تعبيرًا عن التذلل والخشوع، ومن الأدعية المنقولة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – التي يمكن الدعاء بها: "اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فامنحني رضاك قبل أن أنصرف عن بيتك، اللهم فاصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير".

ضوابط الدعاء عند الملتزم

الدعاء عند الملتزم في الكعبة المشرفة من المواضع المباركة التي يُستحب فيها التضرع إلى الله بإخلاص وخشوع، لكن هناك ضوابط وآداب ينبغي مراعاتها ليكون الدعاء أكثر قبولًا واستجابة، فيما يلي أهم الضوابط التي يجب الالتزام بها عند الدعاء في هذا الموضع الشريف:

  • عدم مزاحمة الناس أو التضييق عليهم، حيث أنه  إذا كان المكان مزدحمًا، فمن الأفضل الدعاء في مواضع أخرى من الحرم.
  • الخشوع والتضرع، يستحب أن يكون القلب حاضرًا، والدعاء بخشوع وخضوع لله.
  • الدعاء بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية: يمكن الدعاء بأي صيغة بشرط ألا تخالف أحكام الدين.

تجربتي مع الدعاء عند الملتزم

  • أنا سمر، امرأة متزوجة مررت بعدة تجارب صعبة مع زوجي، مما جعلني أشعر بالحزن والضيق.
  •  نصحتني والدتي بالتوجه إلى الملتزم في الكعبة المشرفة والدعاء هناك، مؤكدة أن الله لا يرد عباده المتضرعين إليه، وبفضل الله، كان لذلك أثر كبير في حياتي، إذ شعرت بالراحة والسكينة، ورأيت الفرج بعد الضيق وزوال الهم والكرب.

أدعية دعوت بها عند الملتزم

في هذا الموضع المبارك، حيث يُستجاب الدعاء وتتنزل الرحمات، توجهت إلى الله سبحانه وتعالى بخالص التضرع والخشوع، سائلةً إياه من فضله وكرمه، وفيما يلي بعض الأدعية التي دعوت بها عند الملتزم، راجيةً القبول والإجابة:

  • اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأن تيسر لي أمري كله، وألا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأن ترزقني لذة النظر إلى وجهك الكريم يا رب العالمين.
  • يا رحمن الدنيا ورحيمها، أنت القادر على فعل المعجزات، لك الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وبارك لنا في أرزاقنا وأعمالنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
  • يا رب المستضعفين، لا ندعو سواك، نسألك العفو والعافية، والسكينة في قلوبنا، وأن تبعد بيننا وبين الذنوب كما باعدت بين المشرق والمغرب، وأن تغفر لنا ذنوبنا وخطايانا يا أرحم الراحمين.
  • اللهم رد كيد الظالمين في نحورهم، وامنحنا السكينة في حياتنا، واهدنا إلى صراطك المستقيم، وأعد الحقوق إلى أهلها، وارزقنا العدل والإنصاف، ولا تقبض أرواحنا إلا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.
  • يا حنان، يا منان، يا من لا تغفل ولا تنام، أسألك التقوى في الدنيا، وأن تقربني إليك بما يرضيك عني، وأعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأرزقني الحلال الطيب، وبارك لي في رزقي وعافيتي يا أرحم الراحمين.
  • اللهم لك الحمد والشكر دائمًا وأبدًا، أسألك أن تحقق لي ما أتمنى، وأن تعطيني خير ما في الدنيا والآخرة، وأن تسترني وتجمعني في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
  • اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وأكرمنا برحمتك، وحقق لنا أمنياتنا، وأعنّا على طاعتك وشكرك يا أكرم الأكرمين.

أدعية من القرآن الكريم دعوت بها عند الملتزم

بالإضافة إلى ذلك توجهت إلى الله بالدعاء عند الملتزم  في الكعبة المشرفة بأدعية من القرآن الكريم، منها ما يلي:

  • {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّا سَمِعْنا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. (آل عمران: 191-194)
  • {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}. (آل عمران: 8)
  • {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}. (النمل: 19)
  • {رَبَّنَا اغفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. (إبراهيم: 41)
  • {رَبِّ اجعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. (إبراهيم: 40-41)

تأثير الدعاء عند الملتزم على حياتي

بعد الدعاء عند الملتزم، شعرت براحة نفسية عميقة، وكأن الله أزال عني الهموم التي كنت أحملها، كما  رأيت أثر الدعاء في حياتي، فقد تبدّلت أحوالي للأفضل، وتحسّنت علاقتي بزوجي، وشعرت بقرب الله مني أكثر من أي وقت مضى. نصيحتي لمن يعاني من الهموم والمشاكل أنصح كل من يمر بضيق أو كرب بأن يلجأ إلى الله بقلب خاشع، سواء عند الملتزم أو في أي مكان آخر، فالله قريب مجيب، يفرّج الهم ويزيل الكرب، وهو القائل:"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: 60)، أسأل الله أن يفرّج همومكم، ويجعل لكم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، اللهم آمين.

هل الدعاء مستجاب عند باب الملتزم؟

جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيرِه من السلف أن الدعاء عند الملتزم مستجاب، وقد ورد عن الإمام محمد بن عبدالوهاب أنه دعا الله عند الملتزم أن يُظهر دعوته، ويمنحه القبول بين الناس، فاستجاب الله له وأظهر دعوته.

ماذا فعل الرسول عند الملتزم؟

أما التعلق بأستار الكعبة، فلا يُعرف له أصل في السنة، والأولى تركه، وإنما الثابت عن النبي ﷺ أنه عندما دخل الكعبة ألصق صدره ويديه بجدارها، ثم دعا الله وكبَّر.

في الختام، يُعدُّ الملتزم في الكعبة المشرفة من المواضع المباركة التي حرص المسلمون عبر العصور على التضرع عندها بالدعاء، رجاء القبول والاستجابة، وقد وردت في فضله العديد من الآثار عن الصحابة والتابعين، مما يؤكد مكانته في نفوس المؤمنين.  ومع ذلك، فإن الالتزام بآداب الدعاء وضوابطه يُعدُّ أمرًا ضروريًا لتحقيق الخشوع والتقرب إلى الله بصدق وإخلاص، نسأل الله أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال والدعوات، وأن يرزق كل مسلم زيارة بيته الحرام، والابتهال إليه في هذه البقاع الطاهرة.

الرئيسية | من نحن | تواصل معنا | اتفاقية الاستخدام | سياسة الخصوصية