ما لا تعرفه عن طريقة ترتيب الدعاء وشروطه وآدابه وأسباب عدم الاستجابة

ترتيب الدعاء
كتب بواسطة: الشيماء يوسف | نشر في 

يُعد الدعاء من أعظم وسائل التقرب إلى الله تعالى، وهو سلاح المؤمن الذي لا يُرد إذا صدق القلب وخلصت النية، غير أن يُعد الدعاء من أعظم وسائل التقرب إلى الله تعالى، وهو سلاح المؤمن الذي لا يُرد إذا صدق القلب وخلصت النية، غير أن كثيرًا من الناس يغفلون عن ترتيب الدعاء، الذي يضبط هيئته، ويمنح الدعاء روحًا وخشوعًا واتباعًا لهدي النبي ﷺ، إن معرفة الترتيب الصحيح للدعاء لا يقتصر على الجانب الشكلي، بل يعكس وعيًا بأدب الخطاب مع الله، وثقة في رحمته وقدرته، لذا في هذا المقال سنعرض طريقة ترتيب الدعاء، وأهم صيغ الاستفتاح والختام التي وردت في القرآن والسنة.

طريقة ترتيب الدعاء

يبدأ ترتيب الدعاء بالتوجه إلى الله تعالى بالحمد والثناء، فنقول مثلًا: "اللهم لك الحمد حمدًا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي ألهمنا الدعاء ووعدنا بالإجابة، ووفقنا للسير على طريق الهداية، فلولا فضله ما اهتدينا ولا استقمنا" ثم نصلي ونسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، فنقول: "اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار، كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وآله، في العالمين إنك حميد مجيد"، بعد ذلك يبدأ الداعي بعرض ما في نفسه من رجاء، ويطلب من الله ما يشاء من الخير، مع التذلل والخضوع، فالدعاء عبادة وقُرب، وقد كان النبي ﷺ يكثر من الدعاء في كل أحواله، ثم يُختم الدعاء بتضرعٍ وخشوع، كأن يقول: "يا أرحم الراحمين، يا من تقضي الحاجات وتُجيب الدعوات، اقضِ حاجتي وحاجات عبادك المحتاجين، اللهم اجعلني ممن لا يرد لهم دعاء، ولا يخيب لهم رجاء، واغمرني بلطفك وعفوك يا واسع الكرم."، وهذا ما جاء في ترتيب الدعاء في السنة.

شروط وآداب الدعاء

من أجل أن يُقبل الدعاء ويُستجاب، وضع الشرع مجموعة من الشروط والآداب التي ينبغي على المسلم الالتزام بها أثناء دعائه والتي منها ترتيب الدعاء، ومن أبرزها ما يلي:

  • إخلاص القلب لله تعالى فلا يجوز أن يُقصد بالدعاء رياءً أو مباهاةً، بل يكون المقصود وجه الله وحده، كما قال تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين".
  • اليقين بأن الله سيُجيب على المسلم أن يدعو بقلب موقن بالإجابة، مطمئنًّا إلى أن الله يسمع ويستجيب، وإن تأخرت الإجابة لحكمة.
  • الابتعاد عن استعجال الإجابة فمن آداب الدعاء ألا يتعجل الداعي فيقول: "دعوت فلم يُستجب لي"، كما ورد في حديث النبي ﷺ في صحيح مسلم.
  • الخضوع والتذلل بين يدي الله فكلما ازداد العبد خضوعًا وانكسارًا، كان أقرب للإجابة، ويُستحب رفع اليدين واستقبال القبلة إن أمكن.
  • عدم الدعاء على النفس أو الأهل أو المال فإن ذلك منهي عنه شرعًا، كما في الحديث الشريف: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم...".
  • البُعد عن التكلف في السجع فقد كان النبي ﷺ يُفضل الدعاء السهل العفوي الخالي من التعقيد، ويُكره التكلف الذي يُضعف الخشوع.
  • الإكثار من الطاعات فصلاح الأعمال يُقرّب العبد من ربه، ويزيد من احتمالية قبول دعائه، فالدعاء لا ينفصل عن السلوك اليومي تحري الحلال في المأكل والمشرب فالطعام الحرام من موانع استجابة الدعاء، وقد ورد في الحديث: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".

أسباب عدم استجابة الدعاء

بعد معرفة ترتيب الدعاء، قد يُمنع العبد من إجابة دعائه لعدة أسباب تتعلق بحاله أو بألفاظ دعائه، ومن أبرز تلك الأسباب التي تعوق قبول الدعاء ما يلي:

  • تجاوز حدود الأدب في الدعاء: كأن يدعو الشخص بأمرٍ فيه ظلم أو إثم أو قطيعة رحم، أو يتعمد الإلحاح بطريقة غير لائقة، فهذا يدخل في دائرة الاعتداء في الدعاء، وهو مما نهى الله عنه بقوله: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين" [الأعراف: 55].
  • غياب الخشوع وحضور القلب: الدعاء لا يُستجاب من قلبٍ لاهٍ مشغولٍ بالدنيا، فقد ورد في الحديث: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ" (رواه الترمذي).
  • تناول الحرام: سواء في الطعام أو المال، فكل ما يدخل الجسد يؤثر على صفاء الدعاء، واستجابة الله له، وقد أشار الله تعالى إلى أهمية الطيب بقوله: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم..." [البقرة: 172]، وأكد النبي ﷺ في حديث صحيح أن من أكل الحرام لا يُستجاب له.
  • ظلم الآخرين: المظالم تُحجب العبد عن ربه، وتُضعف قبول دعائه، فالعدل مع الناس شرطٌ في نيل رضا الله واستجابة دعائه.
  • الإصرار على الذنوب والمعاصي: فكلما كثرت الذنوب، تراكمت الحُجب بين العبد وربه، مما يجعل أبواب الإجابة مغلقة، وقد قال أحد السلف: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة".
  • ضعف اليقين بالله: من ظن أن الله لن يُجيبه، أو شكّ في رحمته، فقد أساء الظن بربه، والله يقول في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء" (رواه البخاري).

أوقات إستجابة الدعاء

في إطار الحديث عن ترتيب الدعاء، هناك أوقات عظيمة يُستحب فيها الإكثار من الدعاء، لما فيها من فضل وبركة، وقد ورد في السنة النبوية وأقوال العلماء أن هذه الأوقات تُعد من أرجى أوقات الإجابة، ومن أهمها:

  • الثلث الأخير من الليل: وهو وقت النزول الإلهي، حيث ينادي الله عباده: "هل من داعٍ فأستجيب له؟"، كما ثبت في الصحيحين، وهو من أعظم الأوقات لاستجابة الدعاء.
  • أوقات الأذان: وهي لحظات يُستحب فيها رفع الدعاء، لما فيها من تذكير بالله، وقد ورد أن الدعاء فيها لا يُرد بإذن الله.
  • الفترة بين الأذان والإقامة: لقول النبي ﷺ: "الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة، فادعوا" (حديث حسن – رواه أبو داود).
  • في السجود: فقد قال رسول الله ﷺ: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" (رواه مسلم).
  • عند نزول المطر: فهي ساعة رحمة وفضل، حيث تفتح أبواب السماء، ويُستجاب فيها الدعاء كما في حديث الحاكم وغيره.
  • عقب الصلوات المفروضة: وهو وقت شكر وخشوع، ويُستحب أن يختم به المسلم صلاته بسؤال الله من فضله.
  • الساعة الأخيرة من يوم الجمعة بعد العصر: وقد ورد في حديث مسلم أن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استُجيب له.
  • يوم عرفة: من أفضل الأيام للدعاء، خاصة للحجاج، كما قال النبي ﷺ: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة...".
  • ليلة القدر: وهي خيرٌ من ألف شهر، والدعاء فيها مستجاب بإذن الله، ويُكثر فيها من قول: "اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عني".
  • ليلة الجمعة: فهي ليلة مباركة يُستحب فيها الذكر والدعاء، خاصة في الثلث الأخير منها.
  • شهر رمضان: كله شهر دعاء وعبادة، وقد اختصه الله بليالي عظيمة ومواسم مغفرة ورحمة.

صيغ الدعاء في السنة

بعد أن عرفنا طريقة ترتيب الدعاء، توجد بعض الصيغ في السنة التي يجب معرفتها واتباعها، لذا فإن صيغ الدعاء في السنة كالتالي:

  • اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي..." (رواه الترمذي).
  • "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي..." (رواه مسلم).
  • "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وغلبة الدين وقهر الرجال" (رواه البخاري).
  • "اللهم اهدني وسددني، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" (رواه مسلم).
  • "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين" (رواه النسائي).
  • "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم" (رواه البخاري ومسلم).
  • "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب..." (رواه البخاري ومسلم).

هل يجب الالتزام بـ ترتيب الدعاء حتى يُستجاب؟

الترتيب ليس شرطًا لصحة الدعاء، ولكنه من الآداب التي وردت عن النبي ﷺ، ويُرجى لمن التزم بها أن يكون دعاؤه أقرب للإجابة.

هل يجب ذكر اسم الله في بداية كل دعاء؟

ليس شرطًا، لكن ذكر اسم الله في مقدمة الدعاء سنة مستحبة، كأن يُقال "اللهم" أو "يا رب"، وهو من أسباب تعظيم الدعاء وتأكيد التوجه لله عز وجل.

هل يُستحب رفع اليدين أثناء اتباع ترتيب الدعاء؟

نعم، رفع اليدين في الدعاء من السنن الثابتة، خاصة عند الدعاء خارج الصلاة، وقد ورد أن النبي ﷺ كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه في بعض المواقف.

إن الالتزام بـ ترتيب الدعاء كما جاء في النصوص الشرعية لا يُعد مجرد اتباع لهيئة شكلية، بل هو أدب عظيم في مناجاة الخالق سبحانه، ومفتاح لاستجابة الدعاء بإذن الله، فحين يبدأ العبد بحمد الله والثناء عليه، ثم يُصلي على النبي ﷺ، ويعرض حاجته بتذلل ويقين، ثم يختم بدعاء شامل وبالتوسل، يكون قد سلك الطريق النبوي للدعاء المأثور، فلنحرص على هذا الترتيب في دعائنا، ونوقن أن الله لا يرد من دعاه صادقًا، متوجهًا إليه بكليته.

الرئيسية | من نحن | تواصل معنا | اتفاقية الاستخدام | سياسة الخصوصية