لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم.. ما هي أعمال يوم التروية وأهميته

من بين أيام الحج المباركة يبرز يوم التروية كأحد الأيام المميزة التي يبدأ فيها الحجاج رحلتهم الإيمانية العظيمة، وقد أُطلق عليه هذا الاسم لسبب له دلالته في التاريخ الإسلامي، ولأحداث وقعت فيه جعلته محل اهتمام المسلمين عبر الأزمان، فما قصتة؟ ولماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم؟ هذا ما سنعرفه في السطور التالية.
لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم
يعد اليوم الثامن من شهر ذي الحجة أحد الأيام البارزة في مناسك الحج، ويُعرف باسم يوم التروية، وهو اليوم الذي يبدأ فيه الحجاج رحلتهم الفعلية لأداء المناسك، حيث يتوجهون من مكة المكرمة إلى مشعر منى للمبيت هناك استعدادًا للوقوف بعرفة في اليوم التالي.
وإجابة سؤال لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم ترجع لأكثر من سبب بحسب ما ورد في كتب التاريخ والفقه الإسلامي، فمن الناحية اللغوية، التروية مشتقة من التزود بالماء، إذ كان الحجاج قديمًا يتوقفون في هذا اليوم للتزود بالماء من مكة قبل التوجه إلى صعيد عرفات، نظرًا لقلة الموارد المائية في المشاعر الأخرى، خاصة في عهد ما قبل توفر شبكات المياه الحديثة، كما تشير بعض الروايات المأخوذة من كتب السيرة وقصص الأنبياء إلى أن هذا الاسم ارتبط أيضًا بقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، عندما رأى في منامه رؤيا ذبح ابنه إسماعيل – عليه السلام – فظل في ذلك اليوم يتفكر ويتروّى: هل ما رآه كان وحيًا من الله، أم مجرد حلم عابر؟ ومن هنا جاءت تسميته بـ"يوم التروية" لاجتماع التأمل والتفكر في أمر عظيم.
أعمال يوم التروية
يبدأ الحاج يوم التروية بالإحرام، وتختلف نية الإحرام بحسب نوع النسك الذي يختاره الحاج، فالمفرد والقارن يبقيان على إحرامهما الذي عقداه عند الميقات، ولا حاجة لتجديد النية، بينما يقوم المتمتع – بعد أن كان قد تحلل من عمرته – بالإحرام من جديد بالحج، ويستحب أن يكون ذلك في صباح يوم الثامن من ذي الحجة قبل الزوال، وذلك اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد الإحرام، يتوجه الحاج إلى مشعر منى، وهو وادٍ يقع شمال شرق مكة المكرمة، على بعد نحو 7 كيلومترات، ويعد من المشاعر التي يمر بها الحاج ضمن مناسك الحج، وفي هذا المكان يقضي الحاج يومه وليلته في طاعة الله، ويؤدي صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً دون جمع، أي أن كل صلاة تؤدى في وقتها لكن تُقصر الرباعية إلى ركعتين، اقتداءً بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
أما المبيت في منى ليلة التاسع فهو من السنن المؤكدة، وليس من الواجبات، بمعنى أنه لا إثم على من تركه، خاصة إن كان ذلك بسبب الزحام أو تعذر الوصول، ويُستحب للحاج خلال إقامته في منى أن يكثر من التلبية والدعاء والتأمل في عظمة الشعائر، استعدادًا لأهم أركان الحج وهو الوقوف بعرفة في اليوم التالي، المعروف بـ يوم الحج الأكبر، وفي صباح اليوم التاسع وبعد أداء صلاة الفجر، يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات لإتمام الركن الأعظم من الحج، وهم على طهارة واستعداد روحي وقلبي لهذه الشعيرة العظيمة، وهذا في إطار الحديث عن لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم.
أهمية يوم التروية
بعد معرفة لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم، يجب علينا معرفة أهميته، حيث يعد يوم التروية أحد الأيام المهمة في مناسك الحج، وهو اليوم الذي يُحدد فيه الحجاج نوع النسك الذي سيؤدونه خلال أيام الحج، في هذا اليوم يحرم كل حاج بما يناسب نوع نسكه، سواء كان مفردًا أو قارنًا أو متمتعًا، ويعتبر هذا اليوم فرصة للتجهيز والتحضير لأداء مناسك الحج، حيث يقوم الحجاج بالإحرام في صباح هذا اليوم، ويستعدون للانتقال إلى منى في مساء اليوم ذاته.
من السنة أن يبيت الحاج في منى ليلة التاسع من ذي الحجة، حيث يقيم هناك حتى الصباح استعدادًا ليوم عرفة، كما يُستحب في يوم التروية أن يؤدي الحجاج صلواتهم الخمس، مع قصر الصلاة التي تُقصر دون جمع، وهو ما يتوافق مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله ﷺ فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر."
وفي هذا اليوم، يشارك أهل مكة الحجيج في قصر الصلاة دون أن يطلب منهم الإتمام، حيث لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مكة الإتمام في هذا اليوم، مما يجعل يوم التروية مناسبة خاصة لإتمام التجهيزات الروحية والجسدية لأداء مناسك الحج بشكل صحيح.
أخطاء يوم التروية
بعد أن عرفنا لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم، توجد بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في يوم التروية، والتي من الممكن أن تشمل التالي:
- يعتقد بعض الحجاج أن الإحرام يجب أن يتم من داخل المسجد الحرام بمكة المكرمة، ولكن هذا غير صحيح، ففي الواقع الإحرام يكون من الميقات المحدد لكل حاج، سواء كان الميقات المكاني أو الميقات الزمني، حيث يمكن للحاج الإحرام من أي نقطة محددة في ميقاته، مثل ميقات ذو الحليفة للمسافرين من المدينة، أو ميقات الجحفة لمن كان قادمًا من جهة الشمال، ومن ثم يتوجه الحجاج إلى منى يوم التروية للإقامة هناك.
- يظن البعض أنه يجب عليهم الاضطباع (أي كشف الكتف الأيمن) في يوم التروية كما هو الحال في العمرة، ولكن الاضطباع ليس من سنن الحج، بل هو خاص بالعمرة فقط.
- أما في الحج، يتعين على الحاج ارتداء ملابس الإحرام كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دون الحاجة للاضطباع في يوم التروية.
- من الأخطاء الشائعة أن بعض الحجاج يعتقدون أنه يمكنهم جمع الصلوات في يوم التروية من غير عذر شرعي، كأن يجمعوا بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء بدون وجود عذر شرعي كالسفر أو المرض، ولكن بحسب السنة النبوية، الجمع بين الصلوات لا يكون إلا عند وجود مشقة أو ضرورة لذلك، كأن يكون الحاج في السفر أو في ظروف استثنائية.
- يخلط بعض الحجاج بين ثياب الحج و ثياب العمرة، فيظنون أن للحج ثيابًا خاصة تختلف عن ثياب الإحرام التي يرتديها الحاج أثناء العمرة، ولكن في الواقع، ثياب الإحرام تكون هي ذاتها في العمرة والحج، إذ تكون مكونة من إزار و رِداء أبيض، سواء كان الحاج يؤدي عمرة أو حجًا، ولا يتم تغييرها بين المناسك.
هل الإحرام بالحج في يوم التروية واجب؟
لا، الإحرام بالحج في يوم التروية ليس واجبًا شرعًا، لكنه من السنة، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث جابر، فيجوز الإحرام بالحج في أي وقت قبل الوقوف بعرفة، ولكن الأفضل اتباع السنة والإحرام في صباح الثامن من ذي الحجة.
هل يجوز لأهل مكة أن يقصروا الصلاة في منى؟
نعم، أهل مكة يقصرون الصلاة في منى كما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإتمام، ما داموا في حج.
وهكذا نرى إجابة سؤال لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم تحمل في طياتها معاني روحانية وتاريخية عظيمة، سواء لارتباطها بتزود الحجاج بالماء في القديم، أو بقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، ويظل هذا اليوم علامة فارقة في رحلة الحاج، ويمثل بداية الدخول في أعظم شعائر الإسلام، وهو الحج.