قرار يقلب الطاولة.. اللهجة الإماراتية لم تعُد متاحة للجميع

اللهجة الإماراتية
كتب بواسطة: أحمد بيومي | نشر في 

أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قرارًا يقصر حق التحدث باللهجة الإماراتية في مختلف وسائل الإعلام على مواطنيها فقط. وجاء هذا الإجراء بهدف الحفاظ على أصالة اللهجة الإماراتية والرموز الثقافية الإماراتية وحمايتها من التحريف الذي قد يقع في بعض المنصات الإعلامية. ويهدف هذا القرار إلى صون الهوية اللغوية والثقافية للدولة وتعزيز استخدام اللهجة الإماراتية بشكل صحيح في الإعلام الرسمي وغير الرسمي

استخدام اللهجة الإماراتية في الإعلام

أكد عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس الإمارات للإعلام، على تطبيق سياسة جديدة منذ حوالي ثلاثة أشهر تهدف إلى ضمان التمثيل الدقيق للهوية الإماراتية في وسائل الإعلام. وأوضح أن السياسة تنص بوضوح على حصر حق الحديث عن أي مشروع أو مبادرة باللهجة الإماراتية على المواطنين الإماراتيين الذين يرتدون الزي الوطني. وأشار إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى نقل صورة صحيحة وأصيلة عن المجتمع الإماراتي وثقافته.

الإمارات تقنن استخدام اللهجة المحلية في الإعلام وسط تباين في الآراء

أوضح معلقون أن الدافع وراء قرار السلطات الإماراتية بتقييد استخدام اللهجة الإماراتية في وسائل الإعلام على المواطنين يعود إلى ظهور أنماط لغوية "هجينة" تُنسب زورًا إلى اللهجة الإماراتية.

ويقوم بتقديم هذه الأنماط أفراد غير إماراتيين، وغالبًا ما تفتقر هذه "اللهجة" المُستحدثة إلى الدقة والأصالة الثقافية العميقة. وقد رأت الجهات الرسمية أن هذا الاستخدام غير المنظم قد يؤدي تدريجيًا إلى إضعاف الهوية اللفظية المميزة للإمارات، بل وربما يتسبب في تقديم صورة غير دقيقة عن ثقافة المجتمع الإماراتي.

تخوفات العاملين في القطاع الإعلامي

في المقابل، أعرب عاملون في المجال الإعلامي عن تحفظهم واستيائهم من هذا القرار. وأشاروا إلى وجود العديد من الكفاءات غير الإماراتية التي تعمل في هذا القطاع وتتمتع بإتقان للهجة الإماراتية، بل وتستخدمها أحيانًا في محتوى يهدف إلى الاحتفاء بالدولة ولهجتها. وأبدى هؤلاء العاملون تخوفهم من أن يؤدي هذا القرار إلى خسارتهم وظائفهم في القنوات الإعلامية، خاصة وأنهم يساهمون بشكل فعال في تقديم محتوى متنوع وجذاب.

ما هي تأثيرات هذا القرار في الأوساط الإماراتية

من المتوقع أن يكون لقرار حصر استخدام اللهجة الإماراتية في وسائل الإعلام على المواطنين تأثيرات متنوعة في الأوساط الإماراتية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- تعزيز الهوية الوطنية والفخر الثقافي

- حماية الأصالة اللغوية: من المرجح أن يرى العديد من الإماراتيين في هذا القرار خطوة إيجابية لحماية لهجتهم من "التشويه" أو "التحريف" الذي قد يحدث عند استخدامها من قبل غير الناطقين بها كلغة أم. هذا يعزز الشعور بالاعتزاز بالهوية اللغوية والثقافية المتميزة.

- ترسيخ الهوية في الإعلام الرسمي: اقتصار التحدث باللهجة على المواطنين في الإعلام الرسمي قد يعزز من حضور الهوية الوطنية الأصيلة في الخطاب الإعلامي للدولة.

- تمييز ثقافي: قد يساهم القرار في ترسيخ اللهجة الإماراتية كرمز مميز للهوية الوطنية، وفصلها عن اللهجات العربية الأخرى المستخدمة في الدولة.

2- ردود فعل متباينة

- تأييد القرار: من المتوقع أن يحظى القرار بتأييد واسع من قبل المواطنين الذين يرون فيه حماية للغة والتراث الوطني من تأثيرات العولمة والتعدد الثقافي. وقد يعتبرونه خطوة ضرورية للحفاظ على الخصوصية الثقافية.

- انتقادات محتملة: قد يرى البعض في القرار نوعًا من التقييد أو الإقصاء، خاصة وأن هناك غير مواطنين عاشوا لفترات طويلة في الإمارات وأتقنوا اللهجة المحلية. قد يرون أن الاحتفاء بالثقافة يجب أن يكون شاملًا.

- نقاش حول مفهوم "التحريف": قد ينشأ نقاش حول تعريف "التحريف" ومن يملك الحق في تحديده، وما إذا كان أي استخدام من غير الناطقين الأصليين يعتبر تحريفًا.

3- تأثيرات اجتماعية وثقافية

- تعزيز استخدام اللهجة في المنازل والمجتمعات: قد يشجع هذا القرار على زيادة استخدام اللهجة الإماراتية بين الأجيال الشابة في المنازل والمجتمعات خوفًا من فقدانها أو تهميشها في المجال العام.

- تأثير على التفاعل مع غير الإماراتيين: قد يؤدي هذا القرار إلى خلق نوع من التمييز اللغوي في بعض السياقات، على الرغم من أن الهدف المعلن هو الحفاظ على الهوية في الإعلام.

- نقاش حول دور الوافدين في الثقافة الإماراتية: قد يثير القرار نقاشًا أوسع حول دور المقيمين وتأثيرهم على الثقافة الإماراتية، خاصة أولئك الذين اندمجوا بشكل كبير في المجتمع.

4- تأثيرات على الإعلام

- تغييرات في المحتوى والإنتاج: قد تضطر المؤسسات الإعلامية إلى إعادة هيكلة بعض برامجها أو تغيير مقدميها للامتثال للقرار.

- فرص للمواهب الإماراتية: قد يفتح هذا القرار المجال أمام المزيد من المواهب الإماراتية للظهور في وسائل الإعلام وتقديم محتوى باللهجة المحلية.

- تحديات في بعض المجالات: قد تواجه بعض المجالات الإعلامية التي تعتمد على تنوع اللغات واللهجات تحديات في التكيف مع هذا القرار.

بشكل عام، من المرجح أن يثير هذا القرار نقاشًا وجدلاً في الأوساط الإماراتية بين مؤيد ومعارض، مع التركيز بشكل أساسي على موازنة أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية مع مبادئ الشمولية والانفتاح الثقافي.

إقرأ أيضا: هذه هي أفضل 8 جامعات تقدم دبلوم عن بُعد بالسعودية

الأصول التاريخية للهجة الإماراتية

ترجع جذور اللهجة الإماراتية إلى اللهجات العربية القديمة، وتحديدًا اللهجات التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية. وقد تأثرت بشكل مباشر بكل من:

  • القبائل العربية البدوية التي سكنت المناطق الصحراوية
  • المجتمعات الساحلية التي نشأت حول صيد السمك والغوص لاستخراج اللؤلؤ
  • التبادل التجاري والثقافي مع دول الجوار مثل سلطنة عُمان، المملكة العربية السعودية، وبلاد فارس (إيران قديمًا)

وبما أن الإمارات كانت مركزًا بحريًا وتجاريًا مهمًا، فقد أصبحت لهجتها غنية ومتنوعة، تحمل في طياتها مفردات من الفارسية، الهندية، البرتغالية، والإنجليزية نتيجة للاحتكاك الثقافي المستمر على مر القرون.

موضوعات قد تهمك: هذه هي أفضل سماعة رأس لا سلكية

أنواع اللهجات داخل الإمارات

الإمارات ليست لهجة واحدة فقط، بل هناك لهجات فرعية تختلف حسب المنطقة، ومن أبرزها:

  • لهجة أبوظبي والعين: تتسم بالبساطة والوضوح
  • لهجة دبي والشارقة: فيها تأثير واضح من التجار والوافدين
  • لهجة رأس الخيمة والفجيرة: تحمل ملامح جبلية ومفردات بدوية

لكن مع ذلك، هناك نواة لغوية مشتركة تجعل اللهجة مفهومة في جميع الإمارات.

في الختام.. يمثل قرار دولة الإمارات بتقنين استخدام اللهجة الإماراتية في وسائل الإعلام منعطفًا هامًا يعكس حرصًا شديدًا على صون الهوية اللغوية والثقافية الوطنية. وبينما يستقبله البعض كخطوة ضرورية لحماية هذا الموروث الأصيل من التشويه وتعزيز الفخر به، يثير في المقابل تساؤلات حول تأثيره على التنوع الإعلامي ودور الكفاءات غير الإماراتية التي أسهمت في إثراء المشهد. يبقى الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن المدى الفعلي لتطبيق هذه السياسة وتأثيراتها المتشعبة على الأوساط الإماراتية، سواء على صعيد تعزيز الهوية أو على مستوى التفاعلات الاجتماعية والثقافية والإعلامية.

وتؤكد "صوت السعودية" في هذا الشأن، أن التوازن بين الحفاظ على الخصوصية الثقافية والانفتاح على التعددية سيظل محور النقاش في هذا السياق.

الرئيسية | من نحن | تواصل معنا | اتفاقية الاستخدام | سياسة الخصوصية